محمد بسيوني

لم يجد اليأس سبيلاً أو طريقاً فى حياة يسرا أشرف بعد مرضها بشلل دماغي من نوع  “الديستونيا” التي أصابتها نتيجة لارتفاع درجة حرارة داخلية بالجسد “سخونة بالجسد”، جعلتها تفقد النطق والحركة لمدة 14 عاماً، ولم تفقد الأمل أو أن تخضع لحالتها، التى من السهل أن تجعلها طريحة الفراش، أو فاقدة لأبسط قواعد العيش وضياع الشغف للحياة والأحلام، أو أن يكون الانهزام من مفردات قاموس حياتها، فبدأت بالانطلاق نحو عالم يعبر عن حالها وأمنياتها وكان الفن التشكيلى، وخاصة فن الرسم وعمرها سبع سنوات هو هوايتها، حيث قامت بربط قلمها الرصاص بأصابع يدها لأول مرة بمساندة “والدها”، حتي نتج عن ذلك مجرد خطوط لا معنى لها أو ما يُطلق عليها  “شخبطة” على الورق، بسبب أنها كانت غير قادرة على التحكم بشكل جيد في حركات يديها، ومع الاستمرارية والإرادة القوية التي تملكها وعزيمة فولاذية بداخلها، تأبى أن تلين أو أن تنهزم أمام مرض فتّاك، فتمكنت من رسم “تفاحة” وهى تعدُّ أول رسمة كاملة تنفذها، بعد أن بدأت تتحكم في أعصابها قليلا بعض الشيء .

ثم بعد ذلك عملت على موهبتها أكثر وأكثر، وما بين خطوط هنا وتأمل هناك، وصلت إلى إتقان مجال فن “الجلاكسي”، وهو مرتبط بعالم الفضاء مثل رسم المجرات والكواكب،  ومؤخراً توجهت نحو فن “الديجيتال جرافيك”،  وأبدعت في رسم لوحات عالمية جعلتها تشارك في 22 معرضًا فنيًا وثقافيًا داخل مصر وخارجها، ومن أبرز هذه اللوحات لوحة “رزق” التي نالت إعجاب الجميع ليتم تكريمها بمعرض منارة العرب للثقافة والفنون الدولي الأول بالمملكة الأردنية الهاشمية، كما عبّرت عن مأساتها مع المرض الذي تعاني منه بلوحة تحت مسمي “الديستونيا.”

وتنظر بفخر وغبطة لدور والديها معها، وتشدد على أنهما من قاما بمساعدتها، عن طريق جلب أدوات الرسم المختلفة لها تنفيذاً لرغبتها، بالرغم من تحذير الأطباء من خطورة هذا على حالتها الصحية،  ولكنهما كانا يبصران بقلبهما قبل أعينهما، ما لا يراه الأطباء حتي وصلت إلى هذا الإبداع والتميز في مجالها، وحصولها على التقدير والاحترام من الجميع علي ما تقدمه من فن، وليس تعاطفا معها لأسباب الإعاقة أو الشفقة على حالها.

وتتذكر يسرا ما شهدته من  معاناة من أجل مواصلة حلمها في التعليم، فهي كانت ترغب في دخول كلية الفنون الجميلة، وعندما  علم الدكتور أشرف رضا عميد الكلية بقصتها وتابع حالتها، على الفور قام وقدم لها منحة في الدراسات الحرة قسم التصوير لمدة ثلاثة أشهر.

“كنت واقفة طايرة من الفرحة والبهجة، علشان التحقت بالمكان اللي كنت بحلم بيه طول عمري وهبقي فيه، وفضلت مش مصدقة إن ده حصل فعلاً، وكل ده بسبب معاناتي إللي شوفتها في البداية، لدرجة إني كنت هقتنع خلاص إن مش هدخل كليتي المفضلة منذ الصغر”.. بهذه الكلمات المبهجة التى عبّرت عن جزء بسيط من فرحة يسرا أشرف وسعادتها بعد التحاقها بكلية الفنون الجميلة، وأشارت بها فى  كلامها معنا، مؤكدة أنها لن تتنازل عن هدفها وأن يكون لها بصمة فى الحياة .

وبين كل حين وآخر تتعانق أحلامها البسيطة بسُحب الأمل وعنان السماء، وتتمنى عمل معرض ثقافي للفنون يحمل اسمها، ويبقى الحلم الأهم والأجمل لها وهو مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويراودها الأمل في المشاركة فى منتدى شباب العالم، وما يتعلق بالمهرجانات الخاصة لذوي الإعاقة، ومازال الأمل باقيا داخل أعماقها ومسيطراً عليها، وهو الحصول على وظيفة تناسبها.