يوجد في التاريخ الإنساني الطويل الممتد العديد من الأسماء التي ساهمت بشكل أو بآخر فى إحداث حالة من التوهج، وسطرت بأحرف من نور كلمات شدت باسمها، وأضفت سطوراً كان لها من النبوغ والعبقرية التلألؤ والتألق، أسماء بلغت بها الشهرة مبلغاً قد خلد ذكراهم في الحكايات والكتب ربما إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كلها أسماء رنانة يندر أن تجد أحداً على هذا الكوكب لا يعلمها مهما بلغ به الجهل أو عدم الحصول على العلم والثقافة. وبالتأكيد فهذه الشهرة التي نالها من ذكرتهم كتب التاريخ، لم تكن لتأتي من فراغ أو بدون أي سبب وجيه، فلابد أن لهؤلاء المشاهير أعمالاً بارزة، كانت بمثابة علامات فارقة ساهمت في تغيير دفة التاريخ الإنساني المليء بالتحولات والتقلبات..
كان توماس إديسون واحداً من هؤلاء النجوم الذين سطعت أسماؤهم بقوة في سماء التاريخ، والذين عجت بهم المناهج الدراسية، في مختلف الدول والبلدان تعظيماً لهم وتخليدا لأعمالهم، ولم لا؟! فاختراعاته العظيمة ظلت علامة فريدة لا يمكن إغفالها أو تناسيها مهما بلغ بالبشر الحقد أو الجحود، فمثلاً لو أنك تأملت سقف غرفتك ليلاً، لوجدت أن تلك الزجاجة المستديرة المتدلية بسلك معلق به، التي تبعث لنا النور الذي يشق ظلمات ذلك الليل حالك الظلام، ليحيله إلى نهار جديد غني بالحياة والإنجازات والمتع، فلو أنك تأملت ذلك كله لتذكرت توماس إدسون مخترع المصباح الكهربائي في التو واللحظة، ولربما تذكرت أيضا العديد من اختراعاته التي تجاوزت العشرات بل المئات، تلك التى أثرت ومازالت تثري المجال العلمي والتكنولوجي إلى يومنا هذا..
وبغض النظر عن مدى صحة تلك الأقاويل التي تتردد حول سرقته عددا كبيرا من هذه الاختراعات من عدمها، ولكن هذا لا ينفي أبدا أن ذكرى هذا الرجل ستظل عالقة في الأذهان، مهما طال الزمن أو انقضى..
وُلد توماس إديسون في الـ11من فبراير عام 1847 بمدينة ميلان بولاية أوهايو الأمريكية، وترعرع بمدينة بورت هورون بولاية ميشيجان، وهو من أصول هولندية، وكان الإبن السابع والأخير لصمويل إديسون ونانسي ماثيوز إليوت، ومن الأشياء المثيرة التي تلفت الانتباه عند تدبر سيرة إديسون، التي يغفلها السواد الأعظم من الناس، أن هذا الرجل استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه من مكانة علمية وتجارية وهو يعاني من الإعاقة، نعم ما قرأته للتو كان صحيحاً، فإديسون كان يعاني منذ صغره من ضعف في السمع، لم يمنعه أبدا من الوصول إلى ما وصل إليه..
وقد تعددت الروايات حول الأسباب التى أدت إلى ضعف سمعه، ففي رواية أن السبب وراء ذلك هو عدم تلقيه علاجًا لالتهابات الأذن الوسطى خلال منتصف حياته المهنية، وذلك بعد أن عانى من نوبات متكررة بسبب إصابته بالحمى القرمزية، وكان يُعزى سبب الصمم لرواية أخرى مفادها أن ضرب عامل القطار له قد أثر على أذنيه بعد اشتعال النيران بمختبره الكيميائي فى عربة النقل، وألقى به، إلى جانب جهازه والمواد الكميائية، من القطار في بلدة كيمبل بولاية ميشيجان، وفي السنوات الأخيرة من حياته، عدّل إديسون القصة فقال إن الحادثة وقعت عندما قام عامل القطار بمساعدته على ركوب القطار برفعه من أذنيه.
تخيل معي أن تكون الإبن السابع لأسرة هولندية مهاجرة إلى كندا ثم إلى الولايات المتحدة هرباً، ثم ما تلبث إلا وتجد نفسك مضطرا لتعمل منذ الصغر أعمالا شاقة لا تناسب براءة طفولتك، حتى تؤمِّن قوت يومك، تجد نفسك وأنت تهجر مرح الطفولة وملاعب الصبا، وما إن تستقر أمورك قليلا حتى يبتليك الله بعامل قطار أحمق لا يفرِّق بين الإنسان والأنعام، فيشدك من أذنيك لتفقد جل سمعك وتصاب بإعاقة تصاحبك حتى الممات.
وأيًا كانت الرواية الصحيحة، فهذا لن يمنع أن هذا الرجل قد تمكن من حجز مقعد له في صفوف العظماء على مدار التاريخ، وهو يعاني من ضعف شديد في السمع، ليسطِّر لنا قصة إلهام جديدة ستظل عالقة بأذهان كل من يعزي فشله في تحقيق أحلامه إلى ضعف إمكانياته، فمهما كانت إمكانياتك ضعيفة، ومهما كان حجم الصعوبات التي تمر بها والظروف المحيطة بك، فإنك تستطيع جلب النجاح مع الكثير من الإيمان والتوكل وإن قل عملك، تستطيع دائما أن تنجح، فقط استعن بالله ولا تتوقف عن المحاولة ..