محمد بسيوني
في بعض الأحيان كل ما تشاهده أعيننا ليس هو كل الظاهر أو الواضح أمامها، في الغالب تكون هناك أشياء أخرى لم ترها بالكامل، إذ يوجد الكثير منا من لديه نقص جسدي أو فكري، فلا يوجد أحد يتميز بالكمال التام، ولا يمكن أن نحكم على الآخرين بشيء قبل أن نتعمق في حياتهم ومعرفة كل ما يدور فيها حتي لا نخطئ في حقهم وحق أنفسنا.
منذ فترة ليست ببعيدة، وفي أحد الأيام التي أسافر فيها من محل إقامتي بالمنوفية إلى جامعتي بالقاهرة، حيث تستغرق المسافة تحديداً ساعتين من الزمن، شهدت موقفا صعبا للغاية في المواصلات بين شخص سليم وآخر من ذوي القدرات الخاصة “الصم والبكم”، وقد قام الشخص الذي يتحدث ويسمع الصراخ في وجه الأخير من ذوي الاعاقة. بدأت القصة في الساعة التاسعة صباحاً من يوم ثلاثاء أثناء قيامي بركوب سيارة ميكروباص من أعلي سلم المحور وكنت أجلس على الكرسي الأخير بالسيارة، وكان الشخص الذي يملك الإعاقة السمعية والكلامية يجلس خلف سائق السيارة ولا يوجد بجانبه أحد، وعند قيام أحد الأشخاص الذين يجلسون على الكرسي الثالث بداخل الميكروباص بدفع الأجرة، استمر وقت لم يتخط الدقيقة، ينادي على الشخص صاحب الإعاقة، ولكن بسبب فقدانه الحاستين السمعية والكلامية لم ينتبه لأحد، مما أثار غضب وعصبية المتحدث، وأنه شعر بعدم الاهتمام أو الانتباه لما يقوله، وهذا الأمر جعله يقوم بدفع الشخص الآخر بيده حتى ينظر إليه وهو في حزن قد يشع من عينيه، لأنه غير قادر على الرد أو السمع أو حتي يعبر عما بداخله وأنه لا يقصد تماماً أن يتجاهله، وأن كل هذا أمر ليس بيده .
وبعد احتواء الموقف بين الشخصين من كافة المتواجدين داخل السيارة قمنا بتوجيه اللوم على الشخص الغاضب وأنه تسبب في إفزاع الشخص الآخر، وأنه وصل له شعور بأنه غير مكتمل أو مختلف عنا، وأخذ الرجل محمل الجد في حديثنا وقام على الفور بالاعتذار للشخص الذي تسبب في حزنه، وهذا الموقف أثار ذهني طوال يومي الدراسي، واستمررت أفكر في كل تفاصيل الحدث وما كان يجب على الشخص السليم أن يفعله تجاه الآخر.. ومن هنا أوجه حديثي لكافة الأشخاص الذين يواجهون نفس المواقف أو يشاهدونها أمامهم، علينا تفهم الشخص الذي نتعامل معه سواء في المواصلات أو في أي شيء في المجتمع ، وألا نحكم على الآخرين من قبل أن نعرف ما بداخلهم أو ما الذي يعانون منه حتى نتعامل معهم بالشكل الصحيح، ولكي لا نتسبب في حزنهم وإحساسهم بالضعف والاختلاف في عصر تنادي فيه كافة الهيئات والمؤسسات الحكومية بالدمج وأننا مثلنا مثل بعض تماماً وعلى حد سواء.