محمد جمال

دائماً ما يظُن البعض أن الإعاقة تتعارض مع الإبداع والموهبة، على اعتبار أن ذوي الإعاقة قدراتهم محدودة، أو بحاجة إلى العون والمساعدة، وبالتالي تقل مقدرتهم على الابتكار والإبداع فى اعتقاد أو بفكر قاصر للبعض، ولكن الواقع يشير إلى عكس وجهة النظر هذه،  فالقدرات في مجال واحد أو أكثر لا تعني بالضرورة انخفاض الأداء في بقية المجالات، بل إن كثيرًا من الباحثين تحدثوا عن أنه إذا كان هناك انخفاض في القدرات الذهنية للمعاق، فهذا لا يمنع امتلاكه موهبة في مجال ما تستحق منا البحث عنها وتنميتها ورعايتها.

يشير بعض الباحثون إلى أن الموهوبين ذوي الإعاقات لديهم قدرات وإمكانيات عالية، تمكنهم من القيام بأداء أو إنجاز متميز في مجال معين أو أكثر.

ونظراً للتطور الذى حدث فى مجالات عديدة، ومنها الفن والدراما وتسليط الضوء على قضايا وأزمات ذوى الإعاقة، وزيادة الاهتمام بدمجهم فى المجتمع والعديد من الأنشطة، اتجهت الفنانة وفاء الحكيم مدير مسرح الشمس التابع لوزارة الثقافة، إلى اكتشاف المواهب الشابة منهم، وتطوير قدراتهم الكامنة، أو حتى أنصاف المواهب منهم، ومن كل الإعاقات والعمل على تنمية مهاراتهم، لتصب في صالح كل موهبة مدفونة قدراتها.

وأرجعت الحكيم سبب اهتمامها بذوي الإعاقة قائلة: يعود هذا إلى اتجاه مسارى الفني في الماضي عندما عملت بالمهنة المحببة لقلبى، ومن أداورى التى تنوعت فى تقديمها كتشخيصى دور الكفيفة لمرتين، وهو ما ترك بداخلى بصمة لم أستطع التخلي عنها أبداً، فالبحث وإجراء الدراسات السريعة عن الشخصية، وكثرة التدريب على الوضع لاعتياده عند التمثيل، جعلنى أستشعر ولو جزءاً صغيراً عما يجب أن يكون دائراً بذهن كل فرد من أفراد ذوي الاحتياجات بشكل عام، وذوى الإعاقة البصرية على وجه الخصوص.

مضيفة”: كان دورى في فيلم “الصرخة” قد أوقد شعلة الاهتمام فيما بعد بهذا الملف، وخاصة أن دورى يتطلب تعلُّم لغة الإشارة، وسيلة التواصل الأهم والفعّالة لذوى الإعاقة السمعية، وكان بمثابة تأهيل لى  فيما بعد حتى كانت شرارة الانطلاق، ونشأت لدىّ فكرة إنشاء كيان رسمى وحكومى يضمنى وذوي الهمم، ونجحت بالفعل بالتعاون مع وزارة الثقافة التي تولت الفكرة ودعّمتها مادياً ومعنوياً، وتم إنشاء فرقة الشمس.

لم تكن فرقة الشمس أولى الفرق التي تتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن ما ميّزها حقاً كونها فرقة معظم أبطالها وصنّاعها من الأشخاص ذوى الإعاقة، فقد حرصت والكلام – مازال على لسان  الفنانة وفاء الحكيم – على أن تكون النسبة معكوسة فتصبح 90% من الموهوبين من ذوي الإعاقة إلى 10% من ذوي المواهب الأخرى ومن غير ذوى الإعاقة، وتعددت مواهب الفرقة لتشمل عدة أقسام منها التمثيل المسرحي، الرقص الاستعراضي، الموسيقى، وكافة ورش الفنون التشكيلية.

وهنا أشارت الحكيم إلى بعض أبطال الفرقة، ومنهم شيماء أبو بكر  الفنانة التي اكتشفتها فرقة الشمس من حوالي عامين، حيث تمتلك موهبة كبيرة في الرسم، ومن ثم أتاح لها المسرح عرض موهبتها الفذة في عرض من العروض المسرحية «الكنز»، وهو ما خطف أنظار المتابعين لنشاط الفرقة، والجمهور الحاضر لعروضها، لتنطلق انطلاقة قوية وتطلق العنان لفنها وتصول وتجول بريشتها وتطوف كل الأنحاء.

أما الفنان معتصم، الشاب الثلاثينى، فشارك شيماء بدوره في موهبة الرسم، وكان اكتشاف موهبة معتصم بمحض الصدفة، فبعد تركه رحلته التعليمية بعد الإعدادية، حرصت والدته على تنمية مهاراته وموهبته، ونمّتها إلى أن أصبحت أعماله الآن تبهر الجميع.

اختتمت وفاء الحكيم حديثها بالتشديد على مدى إيمانها بمواهب مسرح الشمس، وأن المسرح اسم على مسمى، فسيكون المسرح وفرقته دائماً سبب سطوع العديد من المواهب الشابة، وتابعت بأنها ترغب في أن تتضافر معها قوى جديدة من الدولة إلى جانب وزارة الثقافة، كوزارة التضامن الاجتماعي التي تحرص على التعاون معها بالفعل عن طريق الجمعيات الخيرية، أو وزارة التربية والتعليم، وغيرها من الوزارات، لأن الفرقة مازال لديها الكثير لتقديمه لذوي الإعاقة، والمجتمع بأسره، وخاصة أن قوام الفرقة تعدى 60 بطلاً، والغالبية العظمى منهم من ذوى الإعاقات ويمثلون كل الإعاقات.

وهو ما يجعلنا نستمر فى تقديم فن راقٍ له رسالة فى التوعية بقضايا ذوى الإعاقة، والعمل على دمجهم بين أفراد المجتمع ودون تنمُّر أو سخرية بهم أو منهم، والتأكيد وإلقاء الضوء على مواهب تستحق أن نرفع لها القبعة، وهو ما ظهر جلياً عندما شارك بعضهم فى الأعمال الدرامية مؤخراً.