محمد عبد الرؤف

ينتشر طيف “التوحُّد” بشكل سريع فى جميع أنحاء العالم، حيث أشارت إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أنه يصيب طفلًا من بين 160 طفلًا حول العالم.

وتوضح آيات عبد الرحمن، أخصائية الصحة النفسية والتربية الخاصة، ذلك فى حوارها مع “طريقنا”، والسطور التالية فيها الكثير من التفاصيل عن  التوحُّد وإلى نص الحوار:

** ما هو طيف التوحُّد؟

* التوحُّد  يعدُّ  اضطرابًا شاملًا فى النمو العصبي ويؤثر على المهارات العامة للطفل سواء العقلية أو اللغوية أو الحركية أو البصرية، ويتم  تشخيصه فى الـ3 سنوات الأولى لأنه يكون عنده ضعف عام فى أداء جميع المهارات فيصعب الحكم عليه أو تقييمه.

** هل هناك أنواع من التوحُّد؟

* التوحُّد له أكثر من نوع يتم تحديده بناء على عدة اختبارات تشخيصية وحسب درجة وشدة التوحُّد، فهناك متلازمة إسبرجر، ومتلازمة توحُّد كامل، ومتلازمة ريت، واضطراب التواصل الاجتماعى، وبين كل نوع منها لابد من التشخيص الجيد.

وتعدُّ متلازمة إسبرجر من أشهر مراحل التوحُّد المصاب بها نسبة كبيرة من أطفال التوحُّد حول العالم، ويتسم أطفال هذه المتلازمة بالتميز إلى حد ما عن الأنواع الأخرى، حيث إنهم لا يعانون من ضعف القدرات الذهنية واللغوية، ولكن مشكلتهم الرئيسية تتمثل في ضعف التواصل والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، فلا تتولد لديهم رغبة فى التواصل الاجتماعي، ولا ينجحون في الاختلاط مع الأصدقاء أو في إقامة أي علاقة إجتماعية.

ويصنف أطفال التوحُّد الكامل من ضمن فئة المتأخرين ذهنياً وعقلياً، حيث يتسمون بالتأخر في العديد من القدرات سواء البصرية، أو الحركية، أو العقلية، أو الاجتماعية أيضًا، كما يتسمون بغرابة السلوك الذي قد يصل إلى العنف والعدوانية.

أما متلازمة ريت فتصيب الإناث فقط، وذلك على حسب النتائج والأبحاث الطبية الأخيرة، وتبدأ ملاحظة هذا النوع من التوحُّد مع الشهر الثامن حيث يقف نمو محيط رأس الطفلة بل قد يصغر عن الطبيعي، وتبدأ الحالة في فقد السيطرة على الأطراف مثل اليدين والساقين وتحريكها بشكل مبهم.

كما أن رفض التواصل الاجتماعي والرغبة في الانعزال هو من أشهر الأعراض التي تظهر على طفل التوحُّد، حيث إن طفل التوحُّد لا يمتلك القدرة الإدراكية الكاملة للتفاعل مع من حوله سواء من خلال التلامس أو بنظرة العين أو الابتسامة، فهو لا يستجيب لأيٍ من إشارات التواصل بشكل عام.

** ماذا عن أسباب حدوث التوحُّد؟

* هناك عدة أسباب للتوحُّد، أولًا: (أسباب بيولوجية): ترجع لإصابة الطفل بتلف عام فى الدماغ  أو عدم اكتمال نمو الخلايا العصبية الدماغية.

ثانيًا: (أسباب وراثية وجينية): قد يكون هناك بعض الجينات الوراثية التي قد تسبب خللًا في تطور الجهاز العصبي للجنين مما يؤدي إلى الإصابة بمرض التوحُّد أو إذا  كان أحد أفراد الأسرة أو إخوة الطفل سبق لهم وأصيبوا بالتوحُّد.

ثالثًا: (أسباب بيوكميائية): ويسبب حدوث خلل فى بعض النواقل العصبية فى الدماغ فى عنصرين (السيرتونين والدوبامين)، ينتج عنه خلل كيميائي يسبب آثارا سلبية وارتفاع درجة حرارة الجسم وهو ما يؤثر على الذاكرة وبعض الهرمونات.

رابعًا: أسباب راجعة للأسرة والنشأة والبيئة التى نشأ فيها الطفل وإهمال الوالدين له فى السنوات الأولى وتركه أمام شاشة التليفزيون.

** هل الأمر مرتبط بفترة الحمل أو الولادة؟

*نعم فقد تسبب فترة الحمل “غير الآمنة” حدوث التوحُّد، كأن تتعرض الأم للتسمم بالرصاص أو تناول دواء خطأ أو تعرضت لصدمات نفسية، أو إصابتها أثناء الحمل بفقر الدم أو السعال الديكي، وإذا كانت الأم تعانى من مرض السكر أو الكبد أو تعرضت للإشعاع فى غرف الأشعة.

كذلك قد تكون الولادة القيصرية بـ«الشفاط» سببًا في التوحُّد، أو تعرض الطفل بعد الولادة لارتفاع نسبة الصفراء أو نقص فى نسبة الأكسجين.

** كيف تعرف الأم أن نجلها مصاب بالتوحُّد؟

* هناك عدة أعراض للتوحُّد مثل ضعف التواصل الاجتماعى والتركيز البصرى للمتحدث إليه، ووجود سلوكيات تكرارية مثل الرفرفة، الدوران، تكرار حركات نمطية، أو كلمات وإيماءات، تأخر المهارات اللغوية، تأخر المهارات الحركية، تأخر المهارات المعرفية أو التعليمية، فرط النشاط، أو الاندفاع، أحيانا بعض الحالات يكون عندها نوبات صرع، اضطراب فى عادات أكل أو نوم غير تقليدية، تغيُّرات مزاجية سريعة، وردود فعل عاطفية، القلق أو التوتر المفرط، الخوف غير المبرر من الأشياء أو العكس عدم الخوف من أشياء تستدعى الخوف.

** كيف تختلف تلك الأعراض بين الذكور والإناث؟

* بالطبع تختلف أعراض التوحُّد عند البنات، حيث إن نسبة إصابة البنات بمرض التوحُّد أقل من نسبة إصابة الأولاد، فهناك اختلافات في أجزاء معينة في الدماغ بين البنات والأولاد مما يؤدي لذلك، بالتالي ستختلف خطط العلاج بين البنات والأولاد المصابين بالتوحُّد، كما أن التركيز في خطط العلاج يكون عند البنات على دعم وتطوير المهارات السلوكية التي تدعم التفاعل والتواصل الاجتماعي مع الآخرين، لأهمية تأثير ذلك بشكل إيجابي فى عالم البنات.

** وماذا عن طريقة التشخيص؟

* يتم تشخيص التوحُّد عن طريق عدة اختبارات ومقاييس واستبيانات وُضعت خصيصاً لمرضى التوحُّد وطبقا لمعايير دولية، وذلك بواسطة متخصصين يعملون ضمن فريق عملى وعلمى متكامل بدءًا من (طبيب المخ والأعصاب، الطبيب النفسي، الأخصائى النفسي، الأخصائى الاجتماعى، وأخصائى التخاطب، وأخصائى المقاييس النفسية).

** هل هناك أمراض مصاحبة للتوحد؟

* ليس كل أطفال التوحُّد يعانون من التوحُّد فقط بل إنه من الممكن أن يصاحبه العديد من المشكلات الأخرى مثل (فرط الحركة وقلة الانتباه والتركيز، أو يصاحبه إعاقة بصرية، إعاقة سمعية)

** كيف يمكن علاج التوحُّد؟

* العلاج يتم عن طريق 4 طرق،  العلاج المعرفى السلوكي (Behavioral therapy) ، ويقوم به أخصائى / معالج نفسي، (علاجات أمراض النطق واللغة): وهذا لأن غالبية مرضى التوحُّد يكون عندهم قصور فى اللغة  سواء التعبيرية أو الاستقبالية ويقوم به أخصائى التخاطب، أما (العلاج التربوي والتعليمي): وذلك يكون عن طريق المهارات الأكاديمية وما قبل الأكاديمية أخصائى صعوبات تعلُّم أو تربية خاصة، بالإضافة إلى (العلاج الدوائي): عن طريق طبيب المخ والأعصاب.

** كيف يمكننا وقاية أبنائنا من التوحُّد أثناء الحمل؟

* هناك تعليمات يجب أن تتبعها الأم وهى تجنب التعرض للإشعاع أو المواد السامة، تناول الأم الطعام الصحى، عدم تعرض الأم للمدخنين، مراجعة الطبيب باستمرار للاطمئنان على حالة الجنين أثناء الحمل، تجنب حدوث التوحُّد عن طريق العوامل الأسرية الخاطئة.

كما يجب تجنب تعرُّض الأطفال للشاشات الإلكترونية لفترات طويلة أو ثلاث سنوات من عمر الطفل لأنها تؤثر على السلوك العام، كما تؤثر على نمو اللغة عند الطفل، وحدوث خلل فى الوظائف المعرفية فى المخ.

كما يجب التواصل المستمر مع الطفل والكلام معه بصفه مستمرة وحكاية القصص له، والاهتمام بتنمية مهاراته، والاهتمام بعمل الاختبارات والفحوصات الشاملة باستمرار لأن التدخل المبكر يمنع تفاقم المشكلات، كذلك البعد عن المشاكل الأسرية والنزاعات الزوجية أمام الأطفال.